جمانة شغالة إندونيسية . وهي زوجة السائق الخاص لإحدى العائلات *
كنت أراها عند صديقة لي . ودائما أراها متعبة وتعمل بتباطؤ . فقد بلغت من العمر
الخامسة والخمسين . ثم أصيبت بمرض السكري .
• سألت صديقتي مرة
• أما آن لهذه المسكينة أن ترتاح ؟؟
• أجابت قالت : جمانة حققت هدفها , قلت : وما كان هدفها ؟ تعليم أولادها ؟ هل تخرجوا ؟
ذهبتْ إلى أحد الأدراج وأخرجتْ منه صورة مسجد جميل أنيق صغير كتب على
:حَجَر رخامي كبير في مقدمته عبارة بالخط الأسود ((مسجد جمانة))
قلت ُ : ما هذا ؟
قالت : هذا هو هدف جمانة الذي حققته لقد كان هدفها أن تبني مسجدا ً من تعبها وعرقها ليكون صدقة جارية لها وبركة في حياتها وبعد مماتها .
عندما سمعت الخبر دارت بي الدنيا ولفت .
وصغرت نفسي أمام عيني . أحسست
أنني قزمة أمام عملاق : اسمه جمانة الشغالة …
جمانة الشغالة وضعت لنفسها أهدافا ً سامية نبيلة أخروية وليس مجرد هدف اوحلم حلمت به وتقاعست ثم تمنت ان يفتح الله لها أبواب الرزق لتحققه . بل أتبعت الهدف سعيا ً حثيثا ً , وعملا ً دؤوبا ً . وهمة لا تنقطع .
وانا الآن أتساءل : إذا كان هذا هو هدف شغالة أمية غير عربية .
فما هي أهدافنا نحن العرب الذين نقرأ القرآن بمهارة ونفهم مافيه . نحن الذين تعلمنا .
وأنعم الله علينا بنعم كثيرة ما هي أهدافنا ؟؟؟؟
• بناء منزل أكبر من منزل أختي
• شراء سيارة أفخم من سيارة أخي
• توسيع تجارتي
• تعليم أولادي الطب والهندسة ليقولوا : أم الطبيب وأم المهندس
• التخريب على صاحبتي , أو نسيبتي , أو قريبتي ,أو جارتي , أو كلهن وإفساد هنائها , وإظهارها بأنها فاشلة وأنني أنجح منها !
• هدفي الأكبر حاليا ً عرس قريبتي القادم : سأرتدي فيه أغلى الملبوسات وسأتزين بأثمن المجوهرات .. حتى أبدو فيه أجمل الحاضرات .!
• شغلي الشاغل وجل اهتمامي أن أقبع في منزلي : أمضغ اللبان وأتشدق بالكلام على هاتف أو نت , وأصرخ بوجه جمانة أخرى أحتقرها وأهينها بعقلي الفارغ ونفسي المريضة • ومن يدري !! قد تكون عند الله أفضل مني وأرفع منزلة تعساً لنا ولأهدافنا تعساً لنا ولحضارتنا المزيفة
• تعسا ً لعقولنا التي تعفنت وتجرثمت وتآكلت!!
قصة جمانة جرتني لموضوع هام جداً .
• جعلتني أتفكر في الموازين ..والمفاضلات :
• مَن ْ أفضل ُ مِنْ مَن ْ ؟؟؟
بعبارة أخرى : مَن الخاسر ؟؟ ومَن الرابح ؟؟
هناك موازين الدنيا وهي حسية , مرئية , مادية , آنية .
وهناك موازين الآخرة وهي موازين أخروية , إيمانية , غيبية .
من سيحدد الرابح والخاسر ؟؟
• لنشاهد هذه الأمثلة:
• سمية أم عمار : يعذبها أبو جهل حتى تموت*
• والرسول صلى الله عليه وسلم يصبرهم ويقول: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة .
• صهيب بن سنان أعطى قريش كل ما يملك ليهاجر ويلحق برسول الله فيقول له الحبيب المصطفى : ربح البيع يا أبا يحيي !!
ابن ملحان : يدخل الرمح في ظهره فيخرج من بين ثدييه فيقول فرحا ً : فزت ورب الكعبة .
• ذو البجادين : أخذ عمُه كل أمواله .وعندما مات***
وأدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره قال :
اللهم إني أمسيت عنه راضيا ً فارض َ عنه . يقول
ابن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة .
هؤلاء في نظر أهل الدنيا خاسرون .
ولكن بموازين الآخرة ربحوا الفردوس الأعلى .
لو نظرنا إلى قصة ماشطة ابنة الفرعون . فقد آمنت بالله ربا ً فألقاها فرعون
المتأله في الزيت المغلي مع أبنائها , وما تراجعت عن عقيدتها .
في موازين أهل الدنيا : ربح الفرعون وخسرت الماشطة .
أما موازين الآخرة فتقول غير ذلك .
في الحديث الشريف : تعبق رائحة الماشطة في السماء والفراعنة يتجلجلون في أصل الجحيم .
ولو عدنا إلى قصة جمانة:في موازين دار الفناء جمانة خاسرة : خسرت صحتها , وأرهقتها في العمل لتبني مسجدا ً لا يعود عليها في الدنيا بربح أو ريع . قبل الآخرة . فقد خسر ملكه وشعبه وكل شيء . وربح الغلام
ولكن ميزان دار البقاء يقول ان جمانة هي الرابح الأكبر . فقد جعلت لنفسها صدقة جارية تدر عليها الربح الوفير بعد مماتها .. حيث ستأتيها الأرباح تتوالى .. مادام المسجد قائما ً يرفع فيه ذكرُ الله . ويمجدُ فيه اسمه أما الخاسرة الحقيقية فهي التي تجلس لتحتقر جمانة وأمثالها , تظلمهم وتسومهم سوء العذاب . فتمنع عنهم الخير وحتى حقوقهم تمنعها . وتجلب لهم البؤس والشقاء . من تفعل ذلك خاسرة حتى ولو كان بين يديها خدم وحشم . وتحت تصرفها المليارات . ولن ينفعها كل ذلك شيئا ما نفع فرعونٌ موسى تأليهُه لنفسه : فأغرقه الله في اليم . وحشره في جهنم وجعله عبرة وموعظة للناس في الدنيا ما نفع قارون َ أموالُه التي تنوء بحمل مفاتيحها العصبة أولو القوة ..
فخسف الله به وبداره الأرض..
• لن ينفعنا يوم القيامة مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .القلب السليم هو إخلاص النية وتحديد الهدف ان تكون النية لله والهدف هو الآخرة..
فأي حرث نريد ؟ حرث الدنيا أم الآخرة ؟ (الشورى: آية 20) استغرب الصحابة وقال بعضهم ويُعلي شأننا .